من الواضح، ان الجواب بصورة عامة، على السؤال المذكور، يكمن في الحقيقة، في السؤال نفسه. فالتصدي لأعلام وسلاح السلطويين والسائرين في ركابهم، يحتاج بالطبع، الى وسائل اقوى مما لديهم، ليمكننا الوقوف امامهم! الاّ ان الانبياء(ع) كانوا يحملون اقوى سلاح! وهو فوق كل مايتصوره اولئك! لأن العنف، حتى اذا امكن تبريره من الناحية النفسية، فهو متجذر في ذات الأنسان بصورة غريزية، وقدتعرّض المجتمع الانساني، ماتعرّض له من مصائب وفجائع جراء ذلك، على المستوى الفردي والأجتماعي، فقد سعى الانبياء(ع) الى اجتثاث جذور هذا المرض المهلك او معالجته! وقاموا قبل اي شيئ آخر بأشاعة اصل التوحيد بين الناس، الذي ينفي ايّ نوع من الربوبية، غير الله تعالى، كربوبية نمرود وفرعون وقارون وهامان وبلعم الباعورائي! وتبعاً لذلك، فانه تتواجد ثقافة نفي لكل انواع الربوبية، مما ينتج عن نفي كل صورة من صور العنف،كخطوة اساسية اولى في هذا المسار.. وتتكون لدى الأنسان المؤمن، ارضيةثابتة للأبتعاد عن العنف والتسلط، راسخة في قلبه وروحه، مما يدفعه للتأسّي بالأمام الحسين(ع) واستعداده، حتى للتضحية في هذا الطريق، وعدم الرضوخ للظلم والتسلط. فالامام الحسين(ع) عندما رأي مايقوم به يزيد، اعلن ثورته ورفض الخُنوع والانصياع للظالمين ولسلطة الظالمين.. وقد خيّر اتباعه بالبقاء معه في كفاحة هذا اوالانصراف، عندما تيقّن من الموت في تصديه ليزيد الظالم. فعلى الأنسان، ان يخطو خطوات ثابتة في هذا المسار، وان لايظلم احداً، لأي سبب كان، حتى لايضع ظلماً مكان ظلم آخر! ليكون ماقام او اعتقد به عبثاً! وقد التفت الأنسان المعاصر الى ذلك، واتجه نحو اقامة حكم يستند الى الشعب، بكل ماتحمله هذه الكلمة من معني.. ومن الملفت للنظر، انه وفي عصرنا هذا، الحوارات، الابحاث، النقاش... على قدم وساق، لتبيين حكومة وسلطة الشعب، فاذا مافازت (الاكثرية) فهل تُراعي حقوق (الاقلية)؟ او تفرض عليها افكارها ونظراتها؟.. واذا ما اعتبرنا، ان العنف من اسوأ انواع الظلم، فهل نلجأ للقضاء على ذلك، الى العنف (نفسه)؟
كلاّ.. فلا يجوز التصدّي للعنف، بعنف آخرمثله! بأي شكل من الاشكال! وقد يتخذ البعض الأية الشريفة "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"- البقرة، 194، ذريعة لتبرير تجويز العنف للوقوف بوجه العنف! انّ ماتُشير اليه الأية الكريمة، هو حق مُعترف به لدى كافة الشعوب، ولا يتوجب اعتباره بانه والعنف او التسلط، شيئ واحد! فالذي يتتبع مضامين القرآن الكريم، يرى بوضوح، ان ما تُوحي اليه الآية الشريفة، هو ان يكون الانسان او المجتمع على مستوى التحدّي الذي يواجهه، من حيث القوة والردع، لألاّتستطيع اية قوة مهاجمة اواخضاعه لها! مما يتوجب علينا، ترسيخ ذلك منذ الطفولة، خطوة فخطوة.. تعليم الطفل، بأن لكل انسان حقاً ولايجوز التعدي على حقوق الآخرين.
انّ مايتضح لنا من السائل، انه ينظر الى ماتقوم به القوى الاستكبارية، بما تمتلكه من ادوات مادية وفكرية، تتفوق بها على الشعوب الاخري التي لاتستطيع التصدي لذلك ولاحول لها ولاقوة! فالعنف، هنا، وفرضه على الآخرين، يعتبره البعض عدوى متفشّية في المجتمعات، كما هو الحال في مرض ما، ولابد من ازالته! والبعض الأخر ينظر الى العنف كفطرة متجذرة في الانسان، يجب الاعتراف بها!
كالفيلسوف نيتشه. لكننا نجد عاملاً مشتركاً، بين معارضي العنف والظلم، وهو الوقوف بوجه السلطويين، بقوة وصلابة، حيث لايُجدي النُصح والارشاد ومماشاتهم والخنوع لهم، بهدف تقليل ضغط ذلك.. وهذا مانشاهده، بين آن وآخر، من تكدُّس الاسلحة عند دولة ما، لشعورها بأن السلاح وحده، هو سبيل الوقوف بوجه الظالمين والسلطويين... ومن هنا، ينبثق سباق التسلّح! ومآله لدى الدول الضعيفة والصغيرة، بتديد ثرواتها الوطنية وملء جيوب المستكبرين وادارة رحى مصانعهم! باموال الشعوب المضطهدة!.. فالطريق، اذن، هو اتخاذ مسار ناجح ينتصر فيه الشعب! مثاله، ثورة الهند بقيادة المهاتما غاندي وكفاح الامام الخميني (قدس سره)، حيث اعتقد البعض بأن طريق مقارعة الشرق، يُوجب الارتماء بأحضان الغرب! اوالعكس، التصدي للغرب يستدعي الوقوف الى جانب الشرق!
وهكذا... والمثال الثالث، هو ثورة نلسون ماندلا الطويلة الامد.. فبتحمله السجن وعدم اتخاذ العنف وسيلة لكفاحه، استطاع ان يجعل شعار مقارعة التمييز العنصري، عالمياً، مما ادّى الى ان تقف دول كثيرة في العالم الى جانبه، ولم تتمكن الدول الغربية المساندة للنظام العنصري في افريقيا الجنويبية، الوقوف بوجه الرأي العام العالمي، وكانت النتيجة، انهيار نظام العنصرية وانتصار ماندلا.
الاّ انه، وبمقارنة ماذُكر اعلاه من نماذج، فان الثورة الاسلامية، وبما انها استندت على تعاليم الاسلام الحكيمة، اختلفت مع ماقام به غاندي وماندلا! فقداجازالاسلام لها، التصدّي للظلم باسلحة تقليدية مشروعة والدفاع عن نفسها، حسب ما وصّى به القرأن الكريم "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدوالله و عدوكم..."- انفال، آية 60.