رمضان شهر تهذيب النفس واصلاح الأنسان وسلامة المجتمع. الآن، ونحن على عتبة دخول هذا الشهر الشريف، نقّدم لكم قبساً من الابعاد المعنوية لهذه الضيافة الالهية، التي تحتوي، بدورها، على دروس تعليمية ومفيدة، على لسان ذلك الأنسان الالهي، الامام الخميني (قدس سره):
«وفقكم الله عزّ وجل وأدخلكم في ضيافته وأغدق عليكم من فيض مائدته السماوية من قرآن ودعاء، وطهّر أرواحكم وجعلكم من الذين يدركون ما هي ليلة القدر». (صحيفة الإمام الخميني، ج13، ص: 35 )
«ما أود التحدث عنه هو أحد مقاطع خطبة الرسول الأكرم في استقبال شهر رمضان، حيث يقول صلى الله عليه وآله ان الله تعالى دعاكم لضيافته. أي انكم ضيوف الله تعالى في الشهر المبارك. الله تعالى صاحب الضيافة والمخلوق ضيفه. طبعاً أن مثل هذه الضيافة بالنسبة للأولياء الربانيين الكمّل، ليست بالنحو الذي نتصوره أو الذي ندركه. ينبغي أن نتأمل لنرى ما هي الضيافة وكم خطونا على طريقها. صحيح أن جميع العالم تحت الرحمة الإلهية وان كل ما موجود هو من رحمته، وان رحمته وسعت كل شيء، غير أن باب الضيافة باب آخر. الدعوة إلى الضيافة مسألة أخرى. وان كل ما في هذه الضيافة عبارة عن ترك. ترك الشهوات من قبيل الأكل والشرب والجوانب الأخرى التي تقتضيها شهوات الإنسان .. إن الله تعالى دعانا لدخول دار الضيافة هذه، وهي ضيافة ليس فيها غير الترك، ترك الأهواء، ترك الأنانية، ترك الأماني.هذا كل ما في هذه الضيافة ولا بد لنا من التأمل لنرى هل دخلنا حقاً دار الضيافة ام لم ندخلها أصلًا؟ هل سمحوا لنا بدخول دار الضيافة ام لم يسمحوا؟ هل استفدنا من هذه الضيافة الإلهية أم لم نستفد؟. طبعاً حساب أمثالي مع كرام الكاتبين، ولكن أقول لكم ايها السادة والى كل من يستمع إلى حديثي هذا، لا سيما الشاب، أقول لهم: هل ذهبتم إلى دار الضيافة هذه؟ هل استفدتم؟ هل غضضتم الطرف عن الشهوات، لا سيما الشهوات النفسية؟ أم أنكم مثلي.على الشباب أن يتنبهوا إلى أن بوسع المرء إصلاح نفسه في فترة الشباب. فكلما يتقدم العمر بالإنسان يزداد إقباله على الدنيا. الشباب أقرب إلى الملكوت. بينما الشيوخ كلما مضى بهم العمر عرض لهم ما يبعدهم عن الله .. عليكم أن تدركوا بأنكم إذا ما خرجتم من هذه الضيافة فائزين حينها سيكون لديكم عيداً. العيد هو للذي وجد طريقه إلى هذه الضيافة واستفاد منها. ومثلما ينبغي ترك الشهوات الظاهرية، يجب الحؤول أيضاً دون الشهوات الباطنية التي تشكل سداً منيعاً امام الإنسان. إن كل هذه المفاسد التي تحصل في العالم هي لأنهم لم يدخلوا في هذه الضيافة، وإذا ما دخلوا فيها لم يستفيدوا منها. الخطاب عام للناس جميعاً. كلكم دعوتم إلى ضيافة الله. جميعكم ضيوف الله. وهذه الضيافة كلها ترك. فإذا كانت هناك ذرة واحدة من هوى النفس لدى الإنسان، لم يدخل الضيافة. وإذا دخلها لم يستفد منها .. إن كل هذا الصخب والتكالب على الدنيا سببه انهم لم يستفيدوا من هذه الضيافة. لم يلبوا دعوة الله.
اسعوا لتلبية هذه الدعوة. وإذا ما سمح لكم بالدخول ووجدتم طريقكم إليها، سوف تحل كل المسائل. إن قضايانا لم تحل الآن لأننا لم ندخل في ضيافة الله، اننا لم ندخل في شهر رمضان المبارك أصلًا، وانما مجرد تركنا الأكل والشرب، وما كان ينبغي له أن يحصل لم يحصل. فإذا ما سمحت الأهواء النفسية فان فطرة الإنسان فطرة إلهية. الفطرة هي فطرة الله والجميع متجهون إلى الله. ولكن هذا التوجه إلى الدنيا، الذي هو توجه ثانوي واعوجاجي، يحول دون ما ينبغي أن يكون. فإذا رأيتم في الدنيا الحرب والجدال وكان بينكم لا سمح الله نموذج من ذلك، فاعلموا بأنكم لم تدخلوا هذه الضيافة، لم تدركوا شهر رمضان. لقد أقبل عليكم شهر رمضان إلا أنكم رفضتموه، تراجعتم عنه». (صحيفة الإمام، ج21، ص: 48-49)
(1) نص خطبة رسول الله (ص):
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَ أَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ وَ لَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِى وَ سَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ.
هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ، أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ وَ نَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ وَ عَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ وَ دُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ وَ قُلُوبٍ طَاهِرَةٍ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَ تِلَاوَةِ كِتَابِهِ.
فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِى هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ وَ اذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَ عَطَشِكُمْ فِيهِ جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ عَطَشَهُ وَ تَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَ مَسَاكِينِكُمْ وَ وَقِّرُوا كِبَارَكُمْ وَارْحَمُواصِغَارَكُمْ وَ صِلُوا أَرْحَامَكُمْ.
وَ احْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ وَ غُضُّوا عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ وَ عَمَّا لَا يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ وَ تَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِكُمْ وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ.
وَ ارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَكُمْ بِالدُّعَاءِ فِى أَوْقَاتِ صَلَاتِكُمْ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ السَّاعَاتِ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهَا بِالرَّحْمَةِ إِلَى عِبَادِهِ يُجِيبُهُمْ إِذَا نَاجَوْهُ وَ يُلَبِّيهِمْ إِذَا نَادَوْهُ وَ يُعْطِيهِمْ إِذَا سَأَلُوهُ وَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعَوْهُ.
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ وَ ظُهُورَكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ الْمُصَلِّينَ وَ السَّاجِدِينَ وَ أَنْ لَا يُرَوِّعَهُمْ بِالنَّارِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِى هَذَا الشَّهْرِ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عِتْقُ نَسَمَةٍ وَ مَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَيْسَ كُلُّنَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ ص اتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ اتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاء.ٍ
أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِى هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ وَ مَنْ خَفَّفَ فِى هَذَا الشَّهْرِ عَمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِ حِسَابَهُ وَ مَنْ كَفَّ فِيهِ شَرَّهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَ مَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يَتِيماً أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ.
وَ مَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَ مَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَ مَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِصَلَاةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ وَ مَنْ أَدَّى فِيهِ فَرْضاً كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ.
وَ مَنْ أَكْثَرَ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيَّ ثَقَّلَ اللَّهُ مِيزَانَهُ يَوْمَ تَخِفُّ الْمَوَازِينُ وَ مَنْ تَلَا فِيهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِى غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ.