القدس، اول قبلة لمسلمي العالم، البلد الأم لآلاف اللاجئين المسلمين الفلسطينيين وموطنهم، اغتصبه الاستكبار العالمي على يد الصهيونية المجرمة، عام 1948 ووضعه تحت تصرف القوات المحتلة. كان ذلك الحدث، خلال السنوات الاولى للنكبة، مدعاة لمقاومة الشعب الفلسطيني المسلم واستنكار مسلمي واحرار العالم كافة، حيث ظهر ذلك بصورة نضال مستمر، سياسي وعسكري. إن الشعب الايراني المسلم، عقب انتصار الثورة الاسلامية المجيدة، وضع في اولوياته قضية تحرير فلسطين من براثن مغتصبي القدس، جاعلاً يوم القدس، يوم صرخة مدوية بوجه طغاة التاريخ، كل عام.
بعد انتصار الثورة قام الامام الخميني (قدس سره) في اول فرصة، بتعيين يوم، للتعبير عن الشعور العالمي بالنسبة لمصير القدس ونجاته من مخالب الصهاينة المجرمين، باسم (يوم القدس) واصدر نداء بهذه المناسبة. قال الامام (قدس سره) في ندائه المذكور، الذي صدر يوم السادس عشر من شهر مرداد1385 هـ.ش. الموافق لليوم الثالث عشر من شهر رمضان المبارك 1399 هـ.ق، مخاطباً مسلمي العالم:
"لقد كنت أذكّر المسلمين بخطر إسرائيل على مر السنين الطويلة، والآن زاد هذا العدو الغاصب من شدّة اعتداءاته الوحشية على الأخوة والأخوات الفلسطينيين لاسيما في جنوب لبنان، وقام بتهديم بيوت الفلسطينيين بيتاً بيتاً بهدف القضاء على المجاهدين الفلسطينيين. وإني أطالب عامة المسلمين في العالم والدول الإسلامية بتوحيد صفوفهم من أجل وضع حد لتجاوزات هذا العدو الغاصب وحماته. وأدعو المسلمين جميعاً إلى اتخاذ آخر جمعة من شهر رمضان، والتي هي من أيام القدر، وبوسعها أن تكون حازمة في تحديد مصير الشعب الفلسطيني، يوماً للقدس، والإعلان عن تضامن المسلمين الدولي في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب المسلم، من خلال اقامة المسيرات الحاشدة." (صحيفة الامام، ج9، ص212).
هكذا سطع نداء الامام الراحل، كنور امل في قلوب المظلومين الفلسطينيين وجعل ملايين اللاجئين والمناضلين اكثر صلابة وصموداً، للوقوف عملياً، بوجه مؤامرات النظام المحتل للقدس وامريكا السلطوية، واصبح نداء الامام الخميني (قدس سره) نقطة عطف في كفاح الشعب الفلسطيني ومَنَح الاصالة لتاريخ هذا الكفاح الطويل. لاننسى، ان القدس ارض مقدسة لكافة اتباع الاديان الالهية. ان القدس ميعاد عروج النبي الاكرم (ص) واول قبلة لمسلمي العالم. فالصهاينة وكما اعترف زعماؤهم مراراً، ليسوا مَن يقنع باحتلال ارض فلسطين والقدس الشريف واذا لم يكن تصدي الشعب الفلسطيني لهم بالمقاومة اولم تكن ردة فعل الرأي العام للشعوب المسلمة، في مسار اهدافهم التوسعية، فانهم كانوا يرنون لتحقيق حلمهم بالحصول على الاراضي الممتدة من النيل الى الفرات. هم لايزالون على هذا الاعتقاد. إلاّ ان ذلك ورغم مُضي قرنين على (عرض) هذا الحلم بواسطة مؤسسي الصهيونية، فانهم لم يتمكنوا من تحقيقه! بل ولم يشعروا بالاستقرار والطمأنينة حتى داخل حدود فلسطين... إن دلت هذه الهزيمة على شيئ فانما تدل على المقاومة الواسعة، المتواصلة، للشعب الفلسطيني المظلوم. الشعب الذي يحتاج بصورة مستمرة الى دعم المسلمين في كافة ارجاء العالم الاسلامي. ان يوم القدس، هو، من بين المظاهر العالمية لدعم الشعب الفلسطيني المعذّب. ان الامام، وعلى امتداد حياته المباركة لفت انظار الشعوب المسلمة وجميع مستضعفي العالم، مراراً، الى اهمية ومكانة قضية فلسطين، كأول ساتر وخندق لمقارعة الظلم والاستكبار العالمي بزعامة امريكا واسرائيل المجرمة. مايلي، مقتطفات من اهم ماعبّر عنه سماحته (قدس سره):
"يوم القدس ليس يوم فلسطين فحسب، بل هو يوم الإسلام ويوم الحكومة الإسلامية. يوم يجب أن يرفع فيه علم الجمهورية الإسلامية في كافة الدول. يوم يجب أن نفهم فيه القوى العظمى بأنها لن تستطيع التدخل في شؤون الدول الإسلامية بعد الآن. وأنا أعتبر يوم القدس يوم الإسلام ويوم الرسول الأكرم، واليوم الذي يجب أن يستعد فيه المسلمون بكافة قواهم للخروج من العزلة المفروضة عليهم، فليقفوا بكل قواهم وسلاحهم في مواجهة الغرباء كما وقفنا نحن"( صحيفة الإمام، ج9، ص223).
"يوم القدس، يوم يجب أن نوجه فيه تحذيراً لكافة القوى الكبرى كي تكف عما تفعله وترفع يدها عن المستضعفين... يوم القدس يوم الإسلام، اليوم الذي يجب أن يحيى فيه الإسلام، سوف نحييه نحن، وتطبيق القوانين الإسلامية في البلدان الإسلامية. يوم القدس، اليوم الذي يجب أن ننذر القوى العظمى بأن الإسلام لم يعد تحت سيطرتكم ولا تحت سيطرة عملائكم الخبثاء .. يوم القدس يوم إحياء الإسلام."(صحيفة الإمام، ج9، ص 222).
"(يوم القدس) يوم عالمي لا يختص بالقدس فقط. إنّما هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين، يوم مواجهة الشعوب الرازحة تحت نير الظلم الأمريكي وغير الأميركي، للقوى العظمى. إنه اليوم الذي يجب أن يستعد فيه المستضعفون لمواجهة المستكبرين، وكسر شوكتهم... يوم القدس يوم يجب أن يتضح فيه مصير الشعوب المستضعفة، والإعلان عن وجودها أمام المستكبرين."(صحيفة الإمام، ج9، ص 221).
"ان يوم القدس يوماً إسلامياً وتعبئة إسلامية عامة، وإني آمل أن يكون مقدمة لتأسيس حزب المستضعفين في العالم."(صحيفة الإمام، ج9، ص 224).
لم تكن نظرة الامام الثاقبة الى المستقبل، في تلك الفترة الحساسة، مؤثرة في تجذّر وصلابة شجرة المقاومة بوجه الصهاينة وداعميهم الغربيين فحسب، بل واصبحت محملاً جديداً لوجدة مسلمي العالم بمحورية تحرير القدس.
ان الامام الخميني (قدس سره)، بعرض يوم القدس، اثبت بالعمل، ان مشاكل المسلمين كحلقات سلسلة يتصل بعضها بالبعض، وعليهم ان لايفسحوا المجال لأعداء الامة الاسلامية، بالتفرقة على اساس التفاوت المذهبي او العنصري في العالم الاسلامي... وتنفيذ مايرمون اليه من مؤامرات.
"إنّ الدفاع عن نواميس وأعراض المسلمين والذود عن بلادهم وكرامتهم أمر لازم وضروري، فينبغي أن نعد أنفسنا للدفاع عن المسلمين وتحقيق الأهداف الالهية، خاصة في هذه الظروف التي يضحي فيها أبناء فلسطين ولبنان أي المسلمون في الأراضي المحتلة وحزب الله بأرواحهم وينادون «يا للمسلمين»، ويجب أن نصمد بوجه اسرائيل المعتدية بجميع قدراتنا المعنوية والمادية، ونهب لنصرة المسلمين وإنقاذهم من تلك المجازر الهمجية" (صحيفة الإمام، ج20، ص 398).
"لو تظاهرت جميع الشعوب الإسلامية وخرجت إلى الشوارع في يوم القدس لما تمكنت تلك الحكومة الحمقاء من إلغاء التظاهر ومنع الشعب من الخروج للشوارع. إن لهذا التظاهر المليوني والعالمي أثر كبير في حل قضية القدس وبقية القضايا الإسلامية. فلقد طردنا محمّد رضا خان بالمظاهرات، والهتافات، وترديد الشعارات. أم ظننتم أننا طردناه بفعل البنادق؟ لقد فر وفر جميع رجاله لكثرة الأثر الذي خلفه شعار الله أكبر والذي ملأ قلوبهم هلعاً وخوفا" (صحيفة الإمام، ج13، ص 74).
"أتمنى أن يدرك المسلمون أهمية هذا الأمر، وأهمية المشاركة الفعالة في يوم القدس، من خلال التظاهر والإحتجاج وعقد المؤتمرات وتشكيل المحافل والتجمع في المساجد والهتاف الموحد والمدوي. إن هذا الهتاف سيرهب إسرائيل وسيزلزل أركانها، فخروج مليار مسلم ومشاركتهم في يوم القدس ورفع شعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل والموت للسوفييت سيكون له أثر كبير في تشديد حالة الذعر والخوف عند الأعداء." (صحيفة الإمام، ج13، ص 66).
المرجع: موقع الامام الخميني(بالفارسية) بتصرف