لو قلنا ان محرم، ثورة سيد الشهداء (ع) وواقعة عاشوراء، كانت اهم موضوع في كلام الامام (قدس سره) واكثرها محورية في استراتيجية النهضة الاسلامية، لم نكن مُغالين في ذلك.
لقد اكد سماحة الامام، سواء قبل الثورة او بعدها وخلال فترات شتى، اكدّ بصورة خاصة على دور وتأثير مفاهيم و قِيَم عاشوراء على حركة الشعب.
بشكل عام، يمكن النظر الى ارتباط محرم وواقعته الدموية والتاريخية ونهضة الامام، من ثلاث زوايا:
1- محرم والاسلام:
ان من اكثر كلام الامام تواتراً وتأثيراً، عبارته المعروفة: "إن شهري محرم وصفر هما اللذان أبقيا الإسلام حياً حتى اليوم" (صحيفة الامام، ج15، ص291).
كان الامام (قدس سره) يعتقد، حقيقةً، بهذا الامر الهام، وعلى ذلك، فقد اكدَّ سماحته على اهمية محرم وعاشوراء، حيث اشار، كثيراً الى مفاهيم محرم، خلال خطبه ونداءاته:
"إننا وأنتم جميعاً من خلال هذا الخطاب الذي لدينا خاصة في شهري محرم وصفر اللذين هما شهران للبركات الإسلامية ولإحياء الإسلام يجب علينا أن نحيي هذين الشهرين بذكر مصائب أهل البيت عليهم السلام- إذ أن الأسلام بقي حياً حتى اليوم بذكر مصائب أهل البيت عليهم السلام- وكذلك فإن هذا المذهب بقي حياً حتى اليوم بذلك الوضع التقليدي وبقراءةالمراثي وذكر المصيبة (لأهل البيت).
لا تدعوا الشياطين يرددون في آذانكم بأننا قد ثرنا ويجب أن نتحدث عن قضايا الثورة ويجب نسيان المسائل التي كانت سابقاً كلّا. علينا أن نحافظ على هذه التقاليد الإسلامية وأن نحفظ هذه المواكب الإسلامية المباركة التي تتحرك في عاشوراء ومحرم وصفر في الأوقات المناسبة"(صحيفة الامام، ج15، ص291).
من الجدير بالذكر والاهمية، ان سماحة الامام الخميني (قدس سره) لم يَر في محرم عاملاً لحركة الشعب ومؤثراً في الثورة والنهضة ومُحيي المذهب الشيعي فقط، بل كان يراه مُحيي الاسلام ايضاً.
2- استخدام مفاهيم وقِيَم محرم بصورة واسعة:
على امتداد سنوات النضال وثورة الشعب الايراني، كانت ادبيات سماحة الامام واصحابه مفعمة بـ: مفاهيم، امثلة، تشبيهات وتلميحات نهضة الامام الحسين (ع) وثورة عاشوراء.
فممّا اتصفت به نهضة الامام (قدس سره)، هو رسوخ ثقافة مقارعة الظلم، وعدم السكوت (امام الظالم) والوقوف بوجهه، وتجذر ذلك في ثقافة عاشوراء وترويجها:
"وإذا أراد شعب تحقيق كلمة، فعليه أن يستفيد من التأريخ، والتأريخ الإسلامي، ويتدبر فيما شهده، ففيه أسوة لنا، لقد تحرك الامام سيد الشهداء بثلة قليلة لمواجهة يزيد الذي كان يمثل حكومة متجبرة وقوية تتظاهر بالإسلام، وتربطها أواصر قرابة بالإمام، فكان يزيد يعتبر حكومته إسلامية- وأنه خليفة رسول الله- حسب زعمه-، لكن الاشكال هو في أنه كان ظالماً تسلط على مقدرات الدولة دون حق ولذلك نهض الامام أبو عبد الله- عليه السلام- وثار عليه بتلك الثلة القليلة مبيناً أن تكليفه الشرعي يقتضي الاستنكار والنهي عن المنكر"(صحيفة الامام، ج5، ص110).
كان عاشوراء وادبياته، القوة المحركة القديرة للنهضة وديمومتها، حيث جعل الامام ذلك نصب عينه متأسياً بها، بعد الثورة، وحرص على استمرارها بشكل ملفت للنظر، خاصة في الدفاع المقدس.
3- شهر محرم، فصل النضال، فرصة ذهبية:
كان شهر محرم قد وفر فرصة عالية للنهضة مما اَدّى الى ان يستفيد سماحة الامام الخميني (قدس سره) من ذلك بذكاء، بدليل سنة العزاء الالفية واجتماع الناس العظيم. لقد هذا التيار بالظهور خلال السنوات الاولى للنهضة عام 1342 هـ.ش. (1963م) واستمر حتى الانتصار الكامل للثورة الاسلامية، حيث احس النظام (أنذاك) يستطع منع مجالس (الوعظ) ومراسم العزاء، الاّ انه لجأ الى شدة الضغط والتقييد المتزايد للوعاظ، فقد منع الساواك (الامن الايراني) الوعاظ، من الحديث حول الظلم والظالم وربط وقائع وشخصيات ثورة عاشوراء بالظروف الراهنة (أنذاك) وعلى رغم الضغط والتقييد وماشابه ذلك، فان كلمات و نداءات الامام في شهر محرم ومجالسه، كانت تُنشر بكثرة وبسرعة وتدخل حيز الانتفاع.
كان الامام الخميني (قدس سره)يؤكد بشكل خاص على مراسم التعزية ومجالس شهر محرم و صفر:
"...أقيموا المجالس دون الرجوع الى المسؤولين، وإذا ما منعوها، فتجمعوا في الساحات والشوارع والأزقة..." (صحيفة الامام، ج5، ص51).
بصورة عامة، ان شهر محرم ومراسم عزاء سيد الشهداء (ع)، اوجدت علاقة متراصة ومتينة مع النهضة، واصبح محيط معاييرها اللامتناهي، معانيه ومفاهيمه، حجر الاساسي والمحرك الرئيسي للنهضة الاسلامية والشعب الايراني.